قنبلة الغش النووية! - 18 اكتوبر 2016

صحيفة المدينة

قنبلة الغش النووية! - 18 اكتوبر 2016

2021-10-14    574

يُذكر أن أستاذًا جامعيًا كتب لطلابِهِ في مرحلة الدراساتِ العليا رسالةً معبرةً علقها على مدخل كليته، كتبَ فيها:
«تدمير أيّ أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ بعيدة المدى.
ولكن يحتاج إلى تخفيض نوعية التعليم، والسماح للطلبةِ بالغشّ.
يموت المريض على يد طبيب نجح بالغش.
وتنهار البيوت على يد مهندس نجح بالغش.
ونخسر الأموال على يد محاسب نجح بالغش.
ويموت الدين على يد شيخ نجح بالغش.
ويضيع العدل على يد قاضٍ نجح بالغش.
ويتفشَّى الجهل في عقول الأبناء على يد معلم نجح بالغش.
انهيارُ التعليم يعني انهيار الأمة»
هذه الكلماتُ البليغةُ هي توصيف ذكيّ لحقيقةِ الغشّ في العملية التعليمية.
إنه ليس مجرد (ممارسة منبوذة) أو (مخالفة نظامية) قد تسقُطُ بالتقادم أو تُفرض عليها غرامة.
إنّه (حالة خيانة).. بل خيانة مركبة يخون الإنسان بها نفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه وأمته.
مشكلةُ الغش أنّه ليس خللًا طارئًا، بل هو (حَفْرٌ) عميقُ الغور في بنيةِ الإنسان، ينتجُ عنه تشوُّهُ لا يكادُ يعالجُهُ الزمن.
ولذلك فإنّ مخرجاتِ الغِشّ -كما ذكر الأستاذ الجامعيُّ- هي عبارةٌ عن دمارٍ شاملٍ لكل مناحي الحياةِ.
وأذْكُرُ أنَّ أساتذتنا في مرحلة التعليم العام كانوا شديدين جدًا في هذا البابِ، وقد درسنا في مدرسة مكة الثانوية أستاذٌ قديرٌ في مادتي: الفيزياء والرياضيات، كان هذا الأستاذ يقول لنا كل صباح: «أنا أقبل من الطالب أيّ شيء إلا الغش». يقبل الخطأ، يقبل الاعتذار، يقبل إعادة الاختبار، يقبل السؤال والاستيضاح، ويجبر عثرات الطلاب.. لكنّ الغش كان في القائمة السوداء لديه، ومن غشَّ فليس له سوى (صفر) تملأ ورقته! وكنا لذلك نسميه (الأستاذ صفر)؛ ذلك أن أدنى حركةٍ توحي بالغش أثناء الاختبار فمصير صاحبها المحتوم (صفر)!
ومن الآثار الحميدةِ لهذه الشدةِ في باب الغش، أن زميلًا لي كان يجلس بجانبي، وكان قليل الاهتمام بدروسه، فإذا جاءَ وقت الاختبارات حاول أن يغش مني، فكنتُ أمنعُهُ وأحول بينه وبين ورقتي، ولكنه في حصة هذا الأستاذ خصوصًا لم يجد حلًا سوى أن يجتهد ويذاكر حتى تفوق عليّ!!!
هكذا كان الناس في التعليم العام، حتى صرنا في وقتٍ -وللأسف- تسلل فيه الغش إلى مراحل الدراسات العليا، فبتنا نرى -وإن كان هذا قليلًا بحمد الله- طلابًا في مرحلة الدكتوراة يسرقون صفحاتٍ وفصولًا كاملةً ويتقدمون بها ليحصلوا على شهادة لا يستحقونها.
إنّ الأمم الحية تحرص على سلامة تعليمها وازدهاره، وسلامته من آفاتِ الغشّ والضعف، وفي عام 1981 لاحظتْ أمريكا تأخر طلابها في المسابقات الدولية، وتقدمَ الصينيون واليابانيون والكوريون عليهم، فأَهَمَّها ذلكَ، واستنفرتْ جامعاتها ومعاهدها وعلماءها، حتى خرج بعد سنتين في عام 1983 التقرير الشهير الذي شَرَّح التعليم الأمريكي وقتها وبيّن نقاط ضعفه، وحمل عنوانًا مثيرًا ولافتًا ومعبرًا: (أمَّةٌ في خطر)!
إنَّ محاربة (الغشّ) في السياق التعليميّ مسؤولية مشتركة بين القائد والمقود، بين الحاكم والمحكوم، بين المعلِّمِ والمتعلِّمِ، ومالم نعِ جميعًا مخاطر هذه الظاهرةِ ونقفَ ضدّها فإنَّ تعليمنا وأجيالنا ومستقبلنا سيكونُ في خطر.


مشاركة :